الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب فَضْلِ سَاقِي الْبَهَائِمِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِطْعَامِهَا: وَأَمَّا الْمُحْتَرَم فَيَحْصُل الثَّوَاب بِسَقْيِهِ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ أَيْضًا بِإِطْعَامِهِ وَغَيْره سَوَاء كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحًا، وَسَوَاء كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَلْب يَلْهَث يَأْكُل الثَّرَى مِنْ الْعَطَش» أَمَّا: «الثَّرَى» فَالتُّرَاب النَّدِيّ، وَيُقَال: لَهَثَ بِفَتْحِ الْهَاء وَكَسْرهَا، يَلْهَث بِفَتْحِهَا لَا غَيْر، لَهْثًا بِإِسْكَانِهَا، وَالِاسْم اللَّهَث بِفَتْحِهَا، وَاللُّهَاث بِضَمِّ اللَّام، وَرَجُل لَهْثَان، وَامْرَأَة لَهْثَى كَعَطْشَان وَعَطْشَى، وَهُوَ الَّذِي أَخَّرَ لِسَانه مِنْ شِدَّة الْعَطَش وَالْحَرّ. قَوْله: «حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْب» يُقَال: رَقِيَ بِكَسْرِ الْقَاف عَلَى اللُّغَة الْفَصِيحَة الْمَشْهُورَة، وَحَكَى فَتْحهَا، وَهِيَ لُغَة طَيّ فِي كُلّ مَا أَشْبَهَ هَذَا. قَوْله: «فَشَكَرَ اللَّه لَهُ فَغَفَرَ لَهُ» مَعْنَاهُ قَبِلَ عَمَله، وَأَثَابَهُ، وَغَفَرَ لَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَم. 4163- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اِمْرَأَة بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْم حَارّ يَطِيف بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانه مِنْ الْعَطَش، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا، فَغُفِرَ لَهَا» أَمَّا (الْبَغِيّ) فَهِيَ الزَّانِيَة، وَالْبِغَاء بِالْمَدِّ هُوَ الزِّنَا. وَمَعْنَى: «يَطِيف» أَيْ يَدُور حَوْلهَا بِضَمِّ الْيَاء، وَيُقَال: طَافَ بِهِ، وَأَطَافَ إِذَا دَار حَوْله. وَأَدْلَعَ لِسَانه وَدَلَعَهُ لُغَتَانِ أَيْ أَخْرَجَهُ لِشِدَّةِ الْعَطَش. و: (الْمُوق) بِضَمِّ الْمِيم هُوَ الْخُفّ، فَارِسِيّ مُعَرَّب. وَمَعْنَى: «نَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا» أَيْ اِسْتَقَتْ، يُقَال: نَزَعْت بِالدَّلْوِ إِذَا اِسْتَقَيْت بِهِ مِنْ الْبِئْر وَنَحْوهَا، وَنَزَعْت الدَّلْو أَيْضًا. .كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها: .باب النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ: وَأَمَّا قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: «وَأَنَا الدَّهْر» فَإِنَّهُ بِرَفْعِ الرَّاء، هَذَا هُوَ الصَّوَاب الْمَعْرُوف الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيّ وَأَبُو عُبَيْد وَجَمَاهِير الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَالَ أَبُو بَكْر وَمُحَمَّد بْن دَاوُدَ الْأَصْبَهَانِيّ الظَّاهِرِيّ: إِنَّمَا هُوَ الدَّهْر بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْف، أَيْ أَنَا مُدَّة الدَّهْر أُقَلِّب لَيْله وَنَهَاره. وَحَكَى اِبْن عَبْد الْبَرّ هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم. وَقَالَ النَّحَّاس: يَجُوز النَّصْب أَيْ فَإِنَّ اللَّه بَاقٍ مُقِيم أَبَدًا لَا يَزُول. قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْضهمْ: هُوَ مَنْصُوب عَلَى التَّخْصِيص. قَالَ: وَالظَّرْف أَصَحّ وَأَصْوَب. أَمَّا رِوَايَة الرَّفْع، وَهِيَ الصَّوَاب، فَمُوَافِقَة لِقَوْله: «فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر»، قَالَ الْعُلَمَاء: وَهُوَ مَجَاز، وَسَبَبه أَنَّ الْعَرَب كَانَ شَأْنهَا أَنْ تَسُبّ الدَّهْر عِنْد النَّوَازِل وَالْحَوَادِث وَالْمَصَائِب النَّازِلَة بِهَا مِنْ مَوْت أَوْ هَرَم أَوْ تَلَف مَال أَوْ غَيْر ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: يَا خَيْبَة الدَّهْر، وَنَحْو هَذَا مِنْ أَلْفَاظ سَبّ الدَّهْر، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْر فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر» أَيْ لَا تَسُبُّوا فَاعِل النَّوَازِل، فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلهَا وَقَعَ السَّبّ عَلَى اللَّه تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ فَاعِلهَا وَمُنْزِلهَا. وَأَمَّا الدَّهْر الَّذِي هُوَ الزَّمَان فَلَا فِعْل لَهُ، بَلْ هُوَ مَخْلُوق مِنْ جُمْلَة خَلْق اللَّه تَعَالَى. وَمَعْنَى: «فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر» أَيْ فَاعِل النَّوَازِل وَالْحَوَادِث، وَخَالِق الْكَائِنَات. وَاللَّهُ أَعْلَم. 4166- قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: «يُؤْذِينِي اِبْن آدَم» فَمَعْنَاهُ يُعَامِلنِي مُعَامَلَة تُوجِب الْأَذَى فِي حَقّكُمْ. 4167- سبق شرحه بالباب. 4168- سبق شرحه بالباب. 4169- سبق شرحه بالباب. .باب كَرَاهَةِ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا: قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَب كَرَاهَة ذَلِكَ أَنْ لَفْظَة (الْكَرْم) كَانَتْ الْعَرَب تُطْلِقهَا عَلَى شَجَر الْعِنَب، وَعَلَى الْعِنَب، وَعَلَى الْخَمْر الْمُتَّخَذَة مِنْ الْعِنَب، سَمَّوْهَا كَرْمًا لِكَوْنِهَا مُتَّخَذَة مِنْهُ، وَلِأَنَّهَا تَحْمِل عَلَى الْكَرَم وَالسَّخَاء، فَكَرِهَ الشَّرْع إِطْلَاق هَذِهِ اللَّفْظَة عَلَى الْعِنَب وَشَجَره؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا اللَّفْظَة رُبَّمَا تَذَكَّرُوا بِهَا الْخَمْر، وَهَيَّجَتْ نُفُوسهمْ إِلَيْهَا، فَوَقَعُوا فيها، أَوْ قَارَبُوا ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّمَا يَسْتَحِقّ هَذَا الِاسْم الرَّجُل الْمُسْلِم، أَوْ قَلْب الْمُؤْمِن؛ لِأَنَّ الْكَرْم مُشْتَقّ مِنْ الْكَرَم بِفَتْحِ الرَّاء، وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فَسُمِّيَ قَلْب الْمُؤْمِن كَرْمًا لِمَا فيه مِنْ الْإِيمَان وَالْهُدَى وَالنُّور وَالتَّقْوَى وَالصِّفَات الْمُسْتَحِقَّة لِهَذَا الِاسْم. وَكَذَلِكَ الرَّجُل الْمُسْلِم. قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: رَجُل كَرْم بِإِسْكَانِ الرَّاء، وَامْرَأَة كَرْم، وَرَجُلَانِ كَرْم، وَرِجَال كَرْم، وَامْرَأَتَانِ كَرْم، وَنِسْوَة كَرْم، وَكُلّه بِفَتْحِ الرَّاء وَإِسْكَانهَا بِمَعْنَى كَرِيم وَكَرِيمَانِ وَكِرَام وَكَرِيمَات وَصْف بِالْمَصْدَرِ كَضَيْفٍ وَعَدْلٍ. وَاللَّهُ أَعْلَم. 4170- سبق شرحه بالباب. 4171- سبق شرحه بالباب. 4172- سبق شرحه بالباب. 4173- سبق شرحه بالباب. 4174- سبق شرحه بالباب. 4175- سبق شرحه بالباب. 4176- سبق شرحه بالباب. .باب حُكْمِ إِطْلاَقِ لَفْظَةِ الْعَبْدِ وَالأَمَةِ وَالْمَوْلَى وَالسَّيِّدِ: وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّد» و«قُومُوا إِلَى سَيِّدكُمْ» يَعْنِي سَعْد بْن مَعَاذ. وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «اِسْمَعُوا مَا يَقُول سَيِّدكُمْ» يَعْنِي سَعْد بْن عِبَادَة. فَلَيْسَ فِي قَوْل الْعَبْد: سَيِّدِي إِشْكَال وَلَا لُبْس، لِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلهُ غَيْر الْعَبْد وَالْأَمَة، وَلَا بَأْس أَيْضًا بِقَوْلِ الْعَبْد لِسَيِّدِهِ: مَوْلَايَ، فَإِنَّ الْمَوْلَى وَقَعَ عَلَى سِتَّة عَشَر مَعْنَى سَبَقَ بَيَانهَا، مِنْهَا النَّاصِر وَالْمَالِك. قَالَ الْقَاضِي: وَأَمَّا قَوْله فِي كِتَاب مُسْلِم فِي رِوَايَة وَكِيع وَأَبِي مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ: «وَلَا يَقُلْ الْعَبْد لِسَيِّدِهِ مَوْلَايَ». فَقَدْ اِخْتَلَفَ الرُّوَاة عَنْ الْأَعْمَش فِي ذِكْر هَذِهِ اللَّفْظَة، فَلَمْ يَذْكُرهَا عَنْهُ آخَرُونَ، وَحَذْفهَا أَصَحّ. وَاللَّه أَعْلَم. الثَّانِي يُكْرَه لِلسَّيِّدِ أَنْ يَقُول لِمَمْلُوكِهِ: عَبْدِي وَأَمَتِي، بَلْ يَقُول، غُلَامِي وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ وَفَتَاتِي، لِأَنَّ حَقِيقَة الْعُبُودِيَّة إِنَّمَا يَسْتَحِقّهَا اللَّه تَعَالَى، وَلِأَنَّ فيها تَعْظِيمًا بِمَا لَا يَلِيق بِالْمَخْلُوقِ اِسْتِعْمَاله لِنَفْسِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّة فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «كُلّكُمْ عَبِيد اللَّه» فَنَهَى عَنْ التَّطَاوُل فِي اللَّفْظ كَمَا نَهَى عَنْ التَّطَاوُل فِي الْأَفْعَال وَفِي إِسْبَال الْإِزَار وَغَيْره. وَأَمَّا غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي فَلَيْسَتْ دَالَّة عَلَى الْمِلْكَ كَدَلَالَةِ عَبْدِي، مَعَ أَنَّهَا تُطْلَق عَلَى الْحُرّ وَالْمَمْلُوك، وَإِنَّمَا هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ. قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} {وَقَالَ لِفِتْيَتِهِ} {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} وَأَمَّا اِسْتِعْمَاله الْجَارِيَة فِي الْحُرَّة الصَّغِيرَة فَمَشْهُور وَمَعْرُوف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، وَالظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد بِالنَّهْيِ مَنْ اِسْتَعْمَلَهُ عَلَى جِهَة التَّعَاظُم وَالِارْتِفَاع لَا لِلْوَصْفِ وَالتَّعْرِيف. وَاللَّهُ أَعْلَم. 4177- سبق شرحه بالباب. 4178- سبق شرحه بالباب. 4179- سبق شرحه بالباب. .باب كَرَاهَةِ قَوْلِ الإِنْسَانِ خَبُثَتْ نَفْسِي: وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ: مَعْنَاهُ ضَاقَتْ. فَإِنَّ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَنَام عَنْ الصَّلَاة: «فَأَصْبَحَ خَبِيث النَّفْس كَسْلَان» قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره: جَوَابه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْبِر هُنَاكَ عَنْ صِفَة غَيْره، وَعَنْ شَخْص مُبْهَم مَذْمُوم الْحَال لَا يَمْتَنِع إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم. 4181- سبق شرحه بالباب. .باب اسْتِعْمَالِ الْمِسْكِ وَأَنَّهُ أَطْيَبُ الطِّيبِ وَكَرَاهَةِ رَدِّ الرَّيْحَانِ وَالطِّيبِ: قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: هُوَ مُسْتَثْنَى مِنْ الْقَاعِدَة الْمَعْرُوفَة: أَنَّ مَا أُبِين مِنْ حَيّ فَهُوَ مَيِّت، أَوْ يُقَال: إِنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَنِين وَالْبَيْض وَاللَّبَن. وَأَمَّا اِتِّخَاذ الْمَرْأَة الْقَصِيرَة رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَب حَتَّى مَشَتْ بَيْن الطَّوِيلَتَيْنِ، فَلَمْ تُعْرَف، فَحُكْمه فِي شَرْعنَا أَنَّهَا قَصَدَتْ بِهِ مَقْصُودًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا بِأَنْ قَصَدَتْ سَتْر نَفْسهَا لِئَلَّا تُعْرَف فَتُقْصَد بِالْأَذَى أَوْ نَحْو ذَلِكَ، فَلَا بَأْس بِهِ، وَإِنْ قَصَدَتْ بِهِ التَّعَاظُم أَوْ التَّشَبُّه بِالْكَامِلَاتِ تَزْوِيرًا عَلَى الرِّجَال وَغَيْرهمْ فَهُوَ حَرَام. 4183- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَان فَلَا يَرُدّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيف الْمَحْمَل طَيِّب الرِّيح» (الْمَحْمَل) هُنَا بِفَتْحِ الْمِيم الْأُولَى وَكَسْر الثَّانِيَة كَالْمَجْلِسِ، وَالْمُرَاد بِهِ الْحَمْل بِفَتْحِ الْحَاء أَيْ خَفِيف الْحَمْل لَيْسَ بِثَقِيلٍ. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا يَرُدّهُ» بِرَفْعِ الدَّال عَلَى الْفَصِيح الْمَشْهُور، وَأَكْثَر مَا يَسْتَعْمِلهُ مَنْ لَا يُحَقِّق الْعَرَبِيَّة بِفَتْحِهَا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذِهِ اللَّفْظَة وَقَاعِدَتهَا فِي كِتَاب الْحَجّ فِي حَدِيث الصَّعْب بْن جَثَّامَة حِين أَهْدَى الْحِمَار الْوَحْشِيّ، فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا لَمْ نَرُدّهُ عَلَيْك إِلَّا أَنَا حَرَام». وَأَمَّا (الرَّيْحَان) فَقَالَ أَهْل اللُّغَة وَغَرِيب الْحَدِيث فِي تَفْسِير هَذَا الْحَدِيث: هُوَ كُلّ نَبْت مَشْمُوم طَيِّب الرِّيح. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد حِكَايَة مَا ذَكَرْنَاهُ: وَيُحْتَمَل عِنْدِي أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيث الطِّيب كُلّه. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيث: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيب» وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: «كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرُدّ الطِّيب». وَاللَّهُ أَعْلَم. وَفِي هَذَا الْحَدِيث كَرَاهَة رَدّ الرَّيْحَان لِمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ إِلَّا لِعُذْرٍ. 4184- قَوْله: «كَانَ اِبْن عُمَر إِذَا اِسْتَجْمَرَ اِسْتَجْمَرَ بِالْأَلُوَّةِ غَيْر مُطَرَّاة، أَوْ بِكَافُورٍ يَطْرَحهُ مَعَ الْأَلُوَّة. ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الِاسْتِجْمَار هُنَا اِسْتِعْمَال الطِّيب وَالتَّبَخُّر بِهِ مَأْخُوذ مِنْ الْمِجْمَر، وَهُوَ الْبَخُور. وَأَمَّا (الْأَلُوَّة) فَقَالَ الْأَصْمَعِيّ وَأَبُو عُبَيْد وَسَائِر أَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب هِيَ الْعُود يَتَبَخَّر بِهِ. قَالَ الْأَصْمَعِيّ: أَرَاهَا فَارِسِيَّة مُعَرَّبَة، وَهِيَ بِضَمِّ اللَّام وَفَتْح الْهَمْزَة وَضَمّهَا، لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ. وَحَكَى الْأَزْهَرِيّ كَسْر اللَّام. قَالَ الْقَاضِي: وَحُكِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ (أَلْيَة). قَالَ الْقَاضِي: قَالَ غَيْره: وَتُشَدَّد وَتُخَفَّف، وَتُكْسَر الْهَمْزَة وَتُضَمّ، وَقِيلَ: (لَوَّة وَلِيَّة). وَقَوْله: «غَيْر مُطَرَّاة» أَيْ غَيْر مَخْلُوطَة بِغَيْرِهَا مِنْ الطِّيب. فَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب الطِّيب لِلرِّجَالِ كَمَا هُوَ مُسْتَحَبّ لِلنِّسَاءِ، لَكِنْ يُسْتَحَبّ لِلرِّجَالِ مِنْ الطِّيب مَا ظَهَرَ رِيحه، وَخَفِيَ لَوْنه، وَأَمَّا الْمَرْأَة فَإِذَا أَرَادَتْ الْخُرُوج إِلَى الْمَسْجِد أَوْ غَيْره كُرِهَ لَهَا كُلّ طِيب لَهُ رِيح، وَيَتَأَكَّد اِسْتِحْبَابه لِلرِّجَالِ يَوْم الْجُمُعَة وَالْعِيد عِنْد حُضُور مَجَامِع الْمُسْلِمِينَ وَمَجَالِس الذِّكْر وَالْعِلْم وَعِنْد إِرَادَته مُعَاشَرَة زَوْجَته وَنَحْو ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَم. .كتاب الشعر: .باب سماع النبي صلى الله عليه وسلم للشعر واستحسانه: وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيهِ» بِكَسْرِ الْهَاء وَإِسْكَان الْيَاء وَكَسْر الْهَاء الثَّانِيَة. قَالُوا: وَالْهَاء الْأُولَى بَدَل مِنْ الْهَمْزَة، وَأَصْله (إِيه)، وَهِيَ كَلِمَة لِلِاسْتِزَادَةِ مِنْ الْحَدِيث الْمَعْهُود. قَالَ اِبْن السِّكِّيت: هِيَ لِلِاسْتِزَادَةِ مِنْ حَدِيث أَوْ عَمَل مَعْهُودَيْنِ: قَالُوا: وَهِيَ مَبْنِيَّة عَلَى الْكَسْر، فَإِنْ وَصَلْتهَا نَوَّنْتهَا فَقُلْت: (إِيه) حَدَّثَنَا أَيْ زِدْنَا مِنْ الْحَدِيث، فَإِنْ أَرَدْت الِاسْتِزَادَة مِنْ غَيْر مَعْهُود نَوَّنْت. فَقُلْت (إِيه)، لِأَنَّ التَّنْوِين لِلتَّنْكِيرِ. وَأَمَّا (إِيهًا) بِالنَّصْبِ فَمَعْنَاهُ الْكَفّ وَالْأَمْر بِالسُّكُوتِ. وَمَقْصُود الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَحْسَنَ شِعْر أُمِّيَّة، وَاسْتَزَادَ مِنْ إِنْشَاده لِمَا فيه مِنْ الْإِقْرَار بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْبَعْث، فَفيه جَوَاز إِنْشَاد الشِّعْر الَّذِي لَا فُحْش فيه، وَسَمَاعه، سَوَاء شِعْر الْجَاهِلِيَّة وَغَيْرهمْ، وَأَنَّ الْمَذْمُوم مِنْ الشِّعْر الَّذِي لَا فُحْش فيه إِنَّمَا هُوَ الْإِكْثَار مِنْهُ، وَكَوْنه غَالِبًا عَلَى الْإِنْسَان. فَأَمَّا يَسِيره فَلَا بَأْس بِإِنْشَادِهِ وَسَمَاعه وَحِفْظه. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ مَعَك مِنْ شِعْر أُمِّيَّة بْن أَبِي الصَّلْت شَيْئًا» فَهَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَم النُّسَخ: (شَيْئًا) بِالنَّصْبِ، وَفِي بَعْضهَا شَيْء بِالرَّفْعِ، وَعَلَى رِوَايَة النَّصْب يُقَدَّر فيه مَحْذُوف أَيْ هَلْ مَعَك مِنْ شَيْء فَتَنْشُدنِي شَيْئًا؟. 4186- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشْعَر كَلِمَة تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَب كَلِمَة لَبِيَدِ: أَلَا كُلّ شَيْء مَا خَلَا اللَّه بَاطِل» وَفِي رِوَايَة: «أَصْدَق كَلِمَة قَالَهَا شَاعِر كَلِمَة لَبِيَدِ: أَلَا كُلّ شَيْء مَا خَلَا اللَّه بَاطِل» وَفِي رِوَايَة: «أَصْدَق بَيْت قَالَهُ الشَّاعِر» وَفِي رِوَايَة: «أَصْدَق بَيْت قَالَتْهُ الشُّعَرَاء» الْمُرَاد بِالْكَلِمَةِ هُنَا الْقِطْعَة مِنْ الْكَلَام، وَالْمُرَاد بِالْبَاطِلِ الْفَانِي الْمُضْمَحِلّ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث مَنْقَبَة لِلَبِيد، وَهُوَ صَحَابِيّ، وَهُوَ لَبِيد بْن رَبِيعَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. 4191- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يَمْتَلِئ جَوْف أَحَدكُمْ قَيْحًا يَرِيه خَيْر مِنْ أَنْ يَمْتَلِئ شِعْرًا» وَفِي رِوَايَة: «بَيْنَا نَحْنُ نَسِير مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِر يَنْشُد فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا الشَّيْطَان، أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَان، لَأَنْ يَمْتَلِئ جَوْف رَجُل قَيْحًا خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئ شِعْرًا» قَالَ أَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب: (يَرِيه) بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الرَّاء مِنْ الْوَرْي، وَهُوَ دَاء يُفْسِد الْجَوْف، وَمَعْنَاهُ قَيْحًا يَأْكُل جَوْفه وَيُفْسِدهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ بَعْضهمْ: الْمُرَاد بِهَذَا الشِّعْر شِعْر هُجِيَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو عُبَيْد وَالْعُلَمَاء كَافَّة: هَذَا تَفْسِير فَاسِد؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَذْمُوم مِنْ الْهِجَاء أَنْ يَمْتَلِئ مِنْهُ دُون قَلِيله، وَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْكَلِمَة الْوَاحِدَة مِنْ هِجَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبَة لِلْكُفْرِ. قَالُوا: بَلْ الصَّوَاب أَنَّ الْمُرَاد أَنْ يَكُون الشِّعْر غَالِبًا عَلَيْهِ، مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَشْغَلهُ عَنْ الْقُرْآن وَغَيْره مِنْ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَذِكْر اللَّه تَعَالَى، وَهَذَا مَذْمُوم مِنْ أَيّ شِعْر كَانَ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقُرْآن وَالْحَدِيث وَغَيْرهمَا مِنْ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة هُوَ الْغَالِب عَلَيْهِ فَلَا يَضُرّ حِفْظ الْيَسِير مِنْ الشِّعْر مَعَ هَذَا لِأَنَّ جَوْفه لَيْسَ مُمْتَلِئًا. شِعْرًا. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَاسْتَدَلَّ بَعْض الْعُلَمَاء بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى كَرَاهَة الشِّعْر مُطْلَقًا قَلِيله وَكَثِيره، وَإِنْ كَانَ لَا فُحْش فيه، وَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا الشَّيْطَان» وَقَالَ الْعُلَمَاء كَافَّة: هُوَ مُبَاح مَا لَمْ يَكُنْ فيه فُحْش وَنَحْوه. قَالُوا: وَهُوَ كَلَام، حَسَنه حَسَن، وَقَبِيحه قَبِيح. وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب؛ فَقَدْ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّعْر، وَاسْتَنْشَدَهُ، وَأَمَرَ بِهِ حَسَّان فِي هِجَاء الْمُشْرِكِينَ، وَأَنْشَدَهُ أَصْحَابه بِحَضْرَتِهِ فِي الْأَسْفَار وَغَيْرهَا، وَأَنْشَدَهُ الْخُلَفَاء وَأَئِمَّة الصَّحَابَة وَفُضَلَاء السَّلَف، وَلَمْ يُنْكِرهُ أَحَد مِنْهُمْ عَلَى إِطْلَاقه، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا الْمَذْمُوم مِنْهُ، وَهُوَ الْفُحْش وَنَحْوه. وَأَمَّا تَسْمِيَة هَذَا الرَّجُل الَّذِي سَمِعَهُ يَنْشُد شَيْطَانًا فَلَعَلَّهُ كَانَ كَافِرًا، أَوْ كَانَ الشِّعْر هُوَ الْغَالِب عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ شِعْره هَذَا مِنْ الْمَذْمُوم، وَبِالْجُمْلَةِ فَتَسْمِيَته شَيْطَانًا إِنَّمَا هُوَ فِي قَضِيَّة عَيْن تَتَطَرَّق إِلَيْهَا الِاحْتِمَالَات الْمَذْكُورَة وَغَيْرهَا، وَلَا عُمُوم لَهَا، فَلَا يُحْتَجّ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَم. 4192- سبق شرحه بالباب. 4193- قَوْله: (يَسِير بِالْعَرْجِ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الرَّاء وَبِالْجِيمِ، وَهِيَ قَرْيَة جَامِعَة مِنْ عَمَل الْفَرْع عَلَى نَحْو ثَمَانِيَة وَسَبْعِينَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَة. قَوْله: (عَنْ يُحَنِّس) هُوَ بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الْحَاء وَتَشْدِيد النُّون مَكْسُورَة وَمَفْتُوحَة وَاللَّهُ أَعْلَم. .باب تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِالنَّرْدَشِيرِ: وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمَرْوَزِيّ مِنْ أَصْحَابنَا، يُكْرَه، وَلَا يَحْرُم. وَأَمَّا الشِّطْرَنْج فَمَذْهَبنَا أَنَّهُ مَكْرُوه لَيْسَ بِحَرَامِ، وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ. وَقَالَ مَالِك وَأَحْمَد: حَرَام. قَالَ مَالِك: هُوَ شَرّ مِنْ النَّرْد، وَأَلْهَى عَنْ الْخَيْر، وَقَاسُوهُ عَلَى النَّرْد. وَأَصْحَابنَا يَمْنَعُونَ الْقِيَاس، وَيَقُولُونَ: هُوَ دُونه. وَمَعْنَى: «صَبَغَ يَده فِي لَحْم الْخِنْزِير وَدَمه فِي حَال أَكْله مِنْهُمَا» وَهُوَ تَشْبِيه لِتَحْرِيمِهِ بِتَحْرِيمِ أَكْلهمَا. وَاللَّهُ أَعْلَم. .كتاب الرؤيا: .باب قَوْله: «كُنْت أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا غَيْر أَنِّي لَا أُزَمَّل»: وَأَمَّا (أُعْرَى) فَبِضَمِّ الْهَمْزَة، وَإِسْكَان الْعَيْن، وَفَتْح الرَّاء، أَيْ أُحَمّ لِخَوْفِي مِنْ ظَاهِرهَا فِي مَعْرِفَتِي. قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: (عُرِيَ الرَّجُل) بِضَمِّ الْعَيْن وَتَخْفِيف الرَّاء يُعْرَى إِذَا أَصَابَهُ عُرَاء بِضَمِّ الْعَيْن وَبِالْمَدِّ، وَهُوَ نَفْض الْحُمَّى، وَقِيلَ: رَعْدَة. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا مِنْ اللَّه، وَالْحُلْم مِنْ الشَّيْطَان» أَمَّا (الْحُلْم) فَبِضَمِّ الْحَاء وَإِسْكَان اللَّام، وَالْفِعْل مِنْهُ (حَلَمَ) بِفَتْحِ اللَّام. وَأَمَّا (الرُّؤْيَا) فَمَقْصُورَة مَهْمُوزَة، وَيَجُوز تَرْك هَمْزهَا كَنَظَائِرِهَا. قَالَ الْإِمَام الْمَازِرِيّ: مَذْهَب أَهْل السُّنَّة فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَخْلُق فِي قَلْب النَّائِم اِعْتِقَادَات كَمَا يَخْلُقهَا فِي قَلْب الْيَقْظَان، وَهُوَ سُبْحَانه وَتَعَالَى يَفْعَل مَا يَشَاء، لَا يَمْنَعهُ نَوْم وَلَا يَقِظَة، فَإِذَا خَلَقَ هَذِهِ الِاعْتِقَادَات فَكَأَنَّهُ جَعَلَهَا عِلْمًا عَلَى أُمُور أُخَر يَخْلُقهَا فِي ثَانِي الْحَال، أَوْ كَانَ قَدْ خَلَقَهَا. فَإِذَا خَلَقَ فِي قَلْب النَّائِم الطَّيَرَان، وَلَيْسَ بِطَائِرٍ، فَأَكْثَر مَا فيه أَنَّهُ اِعْتَقَدَ أَمْرًا عَلَى خِلَاف مَا هُوَ، فَيَكُون ذَلِكَ الِاعْتِقَاد عِلْمًا عَلَى غَيْره، كَمَا يَكُون خَلْق اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى الْغَيْم عِلْمًا عَلَى الْمَطَر، وَالْجَمِيع خَلْق اللَّه تَعَالَى، وَلَكِنْ يَخْلُق الرُّؤْيَا وَالِاعْتِقَادَات الَّتِي جَعَلَهَا عِلْمًا عَلَى مَا يَسَّرَ بِغَيْرِ حَضْرَة الشَّيْطَان، وَيَخْلُق مَا هُوَ عِلْم عَلَى مَا يَضُرّ بِحَضْرَةِ الشَّيْطَان، فَيُنْسَب إِلَى الشَّيْطَان مَجَازًا لِحُضُورِهِ عِنْدهَا، وَإِنْ كَانَ لَا فِعْل لَهُ حَقِيقَة، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا مِنْ اللَّه وَالْحُلْم مِنْ الشَّيْطَان» لَا عَلَى أَنَّ الشَّيْطَان يَفْعَل شَيْئًا؛ فَالرُّؤْيَا اِسْم لِلْمَحْبُوبِ، وَالْحُلْم اِسْم لِلْمَكْرُوهِ. وَهَذَا كَلَام الْمَازِرِيّ. وَقَالَ غَيْره: أَضَافَ الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَة إِلَى اللَّه إِضَافَة تَشْرِيف بِخِلَافِ الْمَكْرُوهَة، وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِنْ خَلْق اللَّه تَعَالَى وَتَدْبِيره، وَبِإِرَادَتِهِ، وَلَا فِعْل لِلشَّيْطَانِ فيهمَا، لَكِنَّهُ يَحْضُر الْمَكْرُوهَة، وَيَرْتَضِيهَا، وَيُسَرّ بِهَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا حَلَمَ أَحَدكُمْ حُلْمًا يَكْرَههُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرّهُ» أَمَّا (حَلَمَ) فَبِفَتْحِ اللَّام كَمَا سَبَقَ بَيَانه. و: (الْحُلْم) بِضَمِّ الْحَاء وَإِسْكَان اللَّام. و(يَنْفُث) بِضَمِّ الْفَاء وَكَسْرهَا. و(الْيَسَار) بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْرهَا. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا» وَفِي رِوَايَة: «فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَاره حِين يَهُبّ مِنْ نَوْمه ثَلَاث مَرَّات» وَفِي رِوَايَة: «فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرّ الشَّيْطَان وَشَرّهَا. وَلَا يُحَدِّث بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَا تَضُرّهُ» وَفِي رِوَايَة: «فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَاره ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ» فَحَاصِله ثَلَاثَة أَنَّهُ جَاءَ: فَلْيَنْفُثْ، وَفَلْيَبْصُق، وَفَلْيَتْفُل. وَأَكْثَر الرِّوَايَات (فَلْيَنْفُثْ) وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب الطِّبّ بَيَان الْفَرْق بَيْن هَذِهِ الْأَلْفَاظ، وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا بِمَعْنًى، وَلَعَلَّ الْمُرَاد بِالْجَمِيعِ النَّفْث، وَهُوَ نَفْخ لَطِيف بِلَا رِيق، وَيَكُون التَّفْل وَالْبَصْق مَحْمُولَيْنِ عَلَيْهِ مَجَازًا. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرّهُ» مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ هَذَا سَبَبًا لِسَلَامَتِهِ مِنْ مَكْرُوه يَتَرَتَّب عَلَيْهَا، كَمَا جَعَلَ الصَّدَقَة وِقَايَة لِلْمَالِ وَسَبَبًا لِدَفْعِ الْبَلَاء، فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْمَع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات، وَيُعْمَل بِهَا كُلّهَا. فَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَههُ نَفَثَ عَنْ يَسَاره ثَلَاثًا قَائِلًا: أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان وَمِنْ شَرّهَا، وَلْيَتَحَوَّلْ إِلَى جَنْبه الْآخَر، وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَيَكُون قَدْ عَمِلَ بِجَمِيعِ الرِّوَايَات. وَإِنْ اِقْتَصَرَ عَلَى بَعْضهَا أَجْزَأَهُ فِيَّ دَفْع ضَرَرهَا بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيث. قَالَ الْقَاضِي: وَأَمَرَ بِالنَّفْثِ ثَلَاثًا طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي حَضَرَ رُؤْيَاهُ الْمَكْرُوهَة تَحْقِيرًا لَهُ، وَاسْتِقْذَارًا، وَخَصَّتْ بِهِ الْيَسَار لِأَنَّهَا مَحَلّ الْأَقْذَار وَالْمَكْرُوهَات. وَنَحْوهَا. وَالْيَمِين ضِدّهَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حِين يَهُبّ مِنْ نَوْمه» أَيْ يَسْتَيْقِظ. 4196- سبق شرحه بالباب. 4197- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَة وَرُؤْيَا السُّوء» قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَى الصَّالِحَة وَالْحَسَنَة حُسْن ظَاهِرهَا، وَيُحْتَمَل أَنَّ الْمُرَاد صِحَّتهَا. قَالَ: وَرُؤْيَا السُّوء يُحْتَمَل الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا: سُوء الظَّاهِر، وَسُوء التَّأْوِيل. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَة فَلْيُبَشِّرْهُ، وَلَا يُخْبِر بِهَا إِلَّا مَنْ يُحِبّ» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول (فَلْيُبَشِّرْ) بِضَمِّ الْيَاء وَبَعْدهَا بَاءَ سَاكِنَة مِنْ الْإِبْشَار وَالْبُشْرَى. وَفِي بَعْضهَا بِفَتْحِ الْيَاء وَبِالنُّونِ مِنْ النَّشْر، وَهُوَ الْإِشَاعَة. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق وَفِي الشَّرْح: هُوَ تَصْحِيف. وَفِي بَعْضهَا: (فَلْيَسْتُرْ) بِسِينٍ مُهْمَلَة مِنْ السَّتْر وَاللَّهُ أَعْلَم. 4198- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَة: «وَلَا يُحَدِّث بِهَا أَحَدًا» فَسَبَبه أَنَّهُ رُبَّمَا فَسَّرَهَا تَفْسِيرًا مَكْرُوهًا عَلَى ظَاهِر صُورَتهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا، فَوَقَعَتْ كَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ اللَّه تَعَالَى، فَإِنَّ الرُّؤْيَا عَلَى رِجْل طَائِر، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا كَانَتْ مُحْتَمِلَة وَجْهَيْنِ فَفُسِّرَتْ بِأَحَدِهِمَا وَقَعَتْ عَلَى قُرْب تِلْكَ الصِّفَة. قَالُوا: وَقَدْ يَكُون ظَاهِر الرُّؤْيَا مَكْرُوهًا، وَيُفَسَّر بِمَحْبُوب، وَعَكْسه، وَهَذَا مَعْرُوف لِأَهْلِهِ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَة الْحَسَنَة: «لَا تُخْبِر بِهَا إِلَّا مَنْ تُحِبّ» فَسَبَبه أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ بِهَا مَنْ لَا يُحِبّ رُبَّمَا حَمَلَهُ الْبُغْض أَوْ الْحَسَد عَلَى تَفْسِيرهَا بِمَكْرُوهٍ، فَقَدْ يَقَع عَلَى تِلْكَ الصِّفَة، وَإِلَّا فَيَحْصُل لَهُ فِي الْحَال حُزْن وَنَكَد مِنْ سُوء تَفْسِيرهَا. وَاللَّهُ أَعْلَم. 4200- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اِقْتَرَبَ الزَّمَان لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِم تَكْذِب» قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: قِيلَ: الْمُرَاد إِذَا قَارَبَ الزَّمَان أَنْ يَعْتَدِل لَيْله وَنَهَاره، وَقِيلَ: الْمُرَاد إِذَا قَارَبَ الْقِيَامَة، وَالْأَوَّل أَشْهَر عِنْد أَهْل غَيْر الرُّؤْيَا، وَجَاءَ فِي حَدِيث مَا يُؤَيِّد الثَّانِي. وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَصْدَقكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقكُمْ حَدِيثًا» ظَاهِره أَنَّهُ عَلَى إِطْلَاقه، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّ هَذَا يَكُون فِي آخِر الزَّمَان عِنْد اِنْقِطَاع الْعِلْم وَمَوْت الْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ وَمَنْ يُسْتَضَاء بِقَوْلِهِ وَعَمَله، فَجَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى جَابِرًا وَعِوَضًا وَمُنَبِّهًا لَهُمْ، وَالْأَوَّل أَظْهَر؛ لِأَنَّ غَيْر الصَّادِق فِي حَدِيثه يَتَطَرَّق الْخَلَل إِلَى رُؤْيَاهُ وَحِكَايَته إِيَّاهَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرُؤْيَا الْمُسْلِم جُزْء مِنْ خَمْسَة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة» وَفِي رِوَايَة: «رُؤْيَا الْمُؤْمِن جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة» وَفِي رِوَايَة: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة» وَفِي رِوَايَة: «رُؤْيَا الرَّجُل الصَّالِح جُزْء مِنْ خَمْسَة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة» وَفِي رِوَايَة: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة» فَحَصَلَ ثَلَاث رِوَايَات، الْمَشْهُور سِتَّة وَأَرْبَعُونَ، وَالثَّانِيَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ، وَالثَّالِثَة سَبْعُونَ جُزْءًا. وَفِي غَيْر مُسْلِم مِنْ رِوَايَة اِبْن عَبَّاس: «مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا» وَفِي رِوَايَة: «مِنْ تِسْعَة وَأَرْبَعِينَ» وَفِي رِوَايَة الْعَبَّاس: «مِنْ خَمْسِينَ» وَمَنْ رِوَايَة اِبْن عُمَر: «مِنْ سِتَّة وَعِشْرِينَ» وَمِنْ رِوَايَة عُبَادَةَ: «مِنْ أَرْبَعَة وَأَرْبَعِينَ» قَالَ الْقَاضِي: أَشَارَ الطَّبَرِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَاف رَاجِع إِلَى اِخْتِلَاف حَال الرَّائِي، فَالْمُؤْمِن الصَّالِح تَكُون رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا، وَالْفَاسِق جُزْءًا مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا، وَقِيلَ: الْمُرَاد أَنَّ الْخَفِيّ مِنْهَا جُزْء مِنْ سَبْعِينَ، وَالْجَلِيّ جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: أَقَامَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى إِلَيْهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَة، مِنْهَا عَشْر سِنِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَثَلَاث عَشْرَة بِمَكَّة، وَكَانَ قَبْل ذَلِكَ سِتَّة أَشْهُر يَرَى فِي الْمَنَام الْوَحْي، وَهِيَ جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا. قَالَ الْمَازِرِيّ: وَقِيلَ: الْمُرَاد أَنَّ لِلْمَنَامَاتِ شَبَهًا مِمَّا حَصَلَ لَهُ وَمَيَّزَ بِهِ النُّبُوَّة بِجُزْءٍ مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا. قَالَ: وَقَدْ قَدَح بَعْضهمْ فِي الْأَوَّل بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت أَنَّ أَمَد رُؤْيَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل النُّبُوَّة سِتَّة أَشْهُر، وَبِأَنَّهُ رَأَى بَعْد النُّبُوَّة مَنَامَات كَثِيرَة، فَلْتُضَمَّ إِلَى الْأَشْهُر السِّتَّة، حِينَئِذٍ تَتَغَيَّر النِّسْبَة. قَالَ الْمَازِرِيّ: هَذَا الِاعْتِرَاض الثَّانِي بَاطِل؛ لِأَنَّ الْمَنَامَات الْمَوْجُودَة بَعْد الْوَحْي بِأَرْسَالِ الْمَلَك مُنْغَمِرَة فِي الْوَحْي، فَلَمْ تُحْسَب. قَالَ: وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد أَنَّ الْمَنَام فيه إِخْبَار الْغَيْب، وَهُوَ إِحْدَى ثَمَرَات النُّبُوَّة، وَهُوَ لَيْسَ فِي حَدّ النُّبُوَّة؛ لِأَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَبْعَث اللَّه تَعَالَى نَبِيًّا لِيُشَرِّع الشَّرَائِع، وَيُبَيِّن الْأَحْكَام، وَلَا يُخْبِر بِغَيْبٍ أَبَدًا، وَلَا يَقْدَح ذَلِكَ فِي نُبُوَّته، وَلَا يُؤَثِّر فِي مَقْصُودهَا، هَذَا الْجُزْء مِنْ النُّبُوَّة وَهُوَ الْإِخْبَار بِالْغَيْبِ إِذَا وَقَعَ لَا يَكُون إِلَّا صِدْقًا. وَاللَّهُ أَعْلَم. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيث تَوْكِيد لِأَمْرِ الرُّؤْيَا وَتَحْقِيق مَنْزِلَتهَا، وَقَالَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاء النُّبُوَّة فِي حَقّ الْأَنْبِيَاء دُون غَيْرهمْ، وَكَانَ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ يُوحَى إِلَيْهِمْ فِي مَنَامهمْ كَمَا يُوحَى إِلَيْهِمْ فِي الْيَقِظَة قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الرُّؤْيَا تَأْتِي عَلَى مُوَافَقَة النُّبُوَّة، لِأَنَّهَا جُزْء بَاقٍ مِنْ النُّبُوَّة. وَاللَّه أَعْلَم. قَوْله: «وَأُحِبّ الْقَيْد، وَأَكْرَه الْغُلّ، وَالْقَيْد ثَبَات فِي الدِّين» قَالَ الْعُلَمَاء: إِنَّمَا أُحِبّ الْقَيْد لِأَنَّهُ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَهُوَ كَفّ عَنْ الْمَعَاصِي وَالشُّرُور وَأَنْوَاع الْبَاطِل. وَأَمَّا الْغُلّ فَمَوْضِعه الْعُنُق، وَهُوَ صِفَة أَهْل النَّار. قَالَ اللَّه تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} وَقَالَ اللَّه تَعَالَى: {إِذْ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}. وَأَمَّا أَهْل الْعِبَارَة فَنَزَّلُوا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ مَنَازِل، فَقَالُوا: إِذَا رَأَى الْقَيْد فِي رِجْلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِد أَوْ مَشْهَد خَيْر أَوْ عَلَى حَالَة حَسَنَة فَهُوَ دَلِيل لِثَبَاتِهِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ رَآهُ صَاحِب وِلَايَة كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فيها، وَلَوْ رَآهُ مَرِيض أَوْ مَسْجُون أَوْ مُسَافِر أَوْ مَكْرُوب كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فيه. قَالُوا: وَلَوْ قَارَنَهُ مَكْرُوه بِأَنْ يَكُون مَعَ الْقَيْد غُلّ غَلَّبَ الْمَكْرُوه لِأَنَّهَا صِفَة الْمُعَذَّبِينَ. وَأَمَّا الْغُلّ فَهُوَ مَذْمُوم إِذَا كَانَ فِي الْعُنُق، وَقَدْ يَدُلّ لِلْوَلَايَاتِ إِذَا كَانَ مَعَهُ قَرَائِن، كَمَا كُلّ وَالٍ يُحْشَر مَغْلُولًا حَتَّى يُطْلِقهُ عَدْله. فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَغْلُول الْيَدَيْنِ دُون الْعُنُق فَهُوَ حَسَن، وَدَلِيل لِكَفِّهِمَا عَنْ الشَّرّ، وَقَدْ يَدُلّ عَلَى مَنْع مَا نَوَاهُ مِنْ الْأَفْعَال. 4201- سبق شرحه بالباب. 4202- سبق شرحه بالباب. 4203- سبق شرحه بالباب. 4204- سبق شرحه بالباب. 4205- سبق شرحه بالباب.
|